كتب الدكتور نبيل عدلي اليوم الأثنين 21-5-2012 بالمصري اليوم هذا المقال بعنوان :
"عمرو موسى وخالد على من منظور مجتمع المعرفة"
كتب يقول ........ :
أيقن الجميع مدى أهمية الدور الذى لعبته تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى تفجير ثورة 25 يناير، ولا يمكن تحقيق طموحات هذه الثورة الفريدة دون أن تلتحق مصر بركب مجتمع المعرفة صنيعة هذه التكنولوجيا الساحقة، وفى هذا الصدد نشير إلى ما أوصت به منظمة اليونسكو باستخدام مصطلح «مجتمع المعرفة» لمغزاه التنموى بدلا من مصطلح «مجتمع المعلومات» ذى الطابع التكنوقراطى.
وبناء على ذلك فإن اختيارنا لرئيس مصر القادم لابد أن يأخذ فى اعتباره بصورة أساسية مدى قدرة المرشح على قيادة مصر لاجتياز هذه النقلة النوعية الحاسمة فى مسيرة التقدم المجتمعى. وقد أدهشنى حقا إغفال هذا الجانب من قبل جميع برامج المرشحين للرئاسة.
وقد رأى الكاتب أن يتناول القضية من خلال مقارنة بين عمرو موسى وخالد على من منظور مجتمع المعرفة، وذلك لشدة التناقض بينهما مما يبرز الفوارق المحورية التى يمكن تطبيقها بدرجات متفاوته على باقى المرشحين.
هناك أوجه عديدة للمقارنة بين عمرو موسى وخالد على تشمل على سبيل المثال لا الحصر:
■ بين خبرة عمرو موسى المتهالكة وقدرة التعلم المتجددة لخالد على.
■ بين خالد على الثائر الحق وعمرو موسى المتمسح بالثورة دون طائل، فمنذ متى يمكن للدبلوماسى أن يكون ثائرا؟!
■ بين عمرو موسى سليل الأعيان وخالد على نصير الفلاحين.
■ بين لغة عمرو موسى الدبلوماسية الملتوية ولغة خالد على المباشرة الواضحة.
وسنكتفى هنا، لضيق المجال، بالتناول التفصيلى للفارق الأول فقط نظرا لصلته الوثيقة بمجتمع المعرفة.
فجوة العقل بين عمرو موسى وخالد على
أمضى كاتب هذه السطور السنوات العشر الأخيرة فى دراسة الصلة بين العقل ومجتمع المعرفة، وكان من أهم أحد دوافعه المأساة التى نكبت بها مصر جراء الخسارة الاجتماعية والحضارية التى نجمت عن حكم حسنى مبارك ذى العقل العنيد شديد التواضع، الرافض للتغيير، المتشبث ببطانة من رجال فاسدين تشبهه عقلياً، ويخشى الكاتب أشد خشية أن تتكرر المأساة ذاتها فى صيغة جديدة إن لم ندرك بوضوح مظاهر الوهن العقلى لعمرو موسى بصفته من أكثر المرشحين احتمالا للقفز على سلطة الرئاسة، فلا يمكن أن يترك مصير مصر ما بعد الثورة رهناً بقدرات أصحاب العقول التقليدية المتواضعة.
يحتاج بناء مجتمع المعرفة ـ أول ما يحتاج ـ من قياداته عقلا مبدعا.
وهناك العديد من مواضع الوهن العقلى لدى عمرو موسى سأكتفى منها بالتالى:
■ سهولة الوقوع فى فخ توهم البساطة، وهو من الأخطاء التى يرتكبها أصحاب العقول التقليدية لعدم إدراكهم مدى التعقد الذى تتسم به مشكلات مجتمع المعرفة، وقد صدق من قال إن العقول المتواضعة كثيرا ما يتصور أصحابها أن هناك حلا سهلا وبسيطا لكل مشكلة معقدة لكنه غالبا ما يكون خاطئا، لكم أدهشنى فى لقاء تليفزيونى يمكن للجميع الرجوع إليه تكرار استخدام عمرو موسى كلمة الحلول السهلة للعديد من مشكلات مصر المزمنة من إزالة الألغام والارتقاء بالعشوائيات، ومن مشكلات التعليم إلى مشكلات الصحة، ومن مشكلات الاقتصاد إلى مشكلات البطالة ومن تعامله مع مجلس شعب معاد له أيديولوجياً وإلى التكيف مع منظمات المجتمع المدنى التى على ما يبدو لم يستوعب دورها بعمق.
■ العجز إزاء المواقف غير المتوقعة، ونشير هنا إلى واقعة دافوس الشهيرة عندما غادر غاضباً رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان حلقة النقاش. لقد علل عمرو موسى ـ كما ورد فى مناظرته مع عبدالمنعم أبوالفتوح ـ مغادرة أردوجان غاضبا لعدم منحه فرصة الكلام، واستعصى على جهباذ الدبلوماسية المصرية وفارس أمانة الجامعة العربية أن يدرك ما وراء السلوك المباغت للسياسى التركى المبدع، الذى أراد أن يسجل بموقفه، وبصورة مدوية، مدى انحياز موقف إدارة النقاش المعادى للعرب والانحياز الشديد للموقف الصهيونى، وذلك بمنح شيمون بيريز ضعف الوقت الذى أعطى لفارسنا التركى.
■ اعتزاز العقل المتواضع بإنجازاته التافهة: ففى ذات المناظرة اتهم عمرو موسى خصمه بأنه استولى على بعض ثمرات إبداعه الفكرى وذلك ـ صدق أو لا تصدق ـ باستخدام أبوالفتوح مصطلحى المائة يوم الأولى والجمهورية الثانية، رغم كون هذه المصطلحات من أبجديات الخطاب السياسى التى يتواتر استخدامها كثيرا منذ زمن.
■ الوقوع فى خطأ المنطق المعروف بـ«خطأ بديلين لا ثالث لهما»: وقد تجلى ذلك بوضوح فى تعليل عمرو موسى لسقطته الشهيرة عندما أعلن موافقته على بديل إعادة انتخاب حسنى مبارك بدلا من توريث نجله، وكان هناك أكثر من بديل لإبداء اعتراضه على التوريث صراحة دون ذكر حسنى مبارك، خاصة أن عمرو موسى قد أعلن رأيه فى مناخ سياسى كان يشير بشدة إلى احتمال انتخاب حسنى مبارك لفترة رئاسية سادسة، وهناك بديل آخر يتطلب قدراً من شجاعة الرأى بأن يرفض عمرو موسى البديلين معا، ولكن من أين تأتيه الشجاعة فى أمر يتعلق بولى نعمته؟!
■ خطأ التعليل أو التبرير: عندما واجهه عادل حمودة بحصوله على مكافأة نهاية خدمة قدرت بخمسة ملايين دولار ولم ينكر صاحبنا الذى يريد البعض أن يكون مسؤولاً عن العدالة الاجتماعية، وبإشارة استظراف سخيف كاد يرد صاحبنا على عادل حمودة «يا عالم يا شر بطلوا أر»، مبررا ذلك بأنه قد حصل على المكافأة من ميزانية جامعة الدول العربية وليس من مصر، وكأن مصر لا تسهم بنصيب فى هذه الميزانية، والأدهى من ذلك أن عمرو موسى يقبل هذه المكافأة السخية رغم أنه خير العارفين بأن جميع منظمات الجامعة العربية تشكو من نقص شديد فى الميزانية ويكفى مثالا هنا أن ميزانية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اليكسو) تبلغ ميزانيتها 4 ملايين دولار فقط.
■ خطأ التضليل لدافع شخصى: لم يعترض عمرو موسى اعتراضا واضحا على حكم حسنى مبارك باستثناء السنوات الخمس الأخيرة التى وصفها بـ«الكارثية» وذلك بدافع شخصى لتحاشى نقد فترات حكم مبارك التى عمل فيها سفيرا ووزيرا ومندوب مصر فى الأمم المتحدة، واختياره من قبل مبارك ليشغل منصب أمين عام الجامعة العربية، ومن الغريب أن يعتبر عمرو موسى أن السنوات العشر الأول من حكم مبارك كانت سنوات جيدة، وذلك رغم أنها أخطر الفترات فى تشكيل عقلية الرئيس المخلوع وبلورة سياسته واستراتيجيته التى تسببت فى أعظم النكبات لمصر، ويكفى هنا أن هذه السنوات العشر هى التى شهدت حرب العراق التى أسهم حسنى مبارك فى اندلاعها إسهاماً مباشراً لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ولنرجع فى ذلك لمحاضر اجتماعات وزراء الخارجية العرب فى هذه الآونة. أصبح بناء مجتمع المعرفة بحاجة ماسة إلى ما بات يعرف بـ«الإبداع الاجتماعى»، ذلك الإبداع وليد الذكاء الجمعى النابع من تفاعل الجماعات وتشارك أفرادهم واستغلال القدرات الذاتية والموارد المحلية فى حل المشكلات، وخالد على ـ بلا ريب ـ مثال فذ للإبداع الاجتماعى.
إن خالد على يعترف بأنه يحلم، ولا حل للمشكلات المستعصية التى تواجه مصر إلا على يد أصحاب الأحلام، شريطة أن تكون مقرونة بإجراءات عملية واقعية لتنفيذها دون الإسراف فى الوعود مثلما يفعل عمرو موسى، ولا يبادر خالد على بحل مقترح دون أن يتبعه بقائمة محددة وواضحة من الخطوات العملية لتحويل رؤاه المبدعة إلى واقع، وهل هناك ما هو أكثر واقعية من أن يأتى خالد على للقاء تليفزيونى يحمل معه أكياساً بها عينات من الرمل الزجاجى، وغيره من ثروات مصر التعدينية إضافة إلى الإحصائيات ودراسات الجدوى!
ولهذا رفض عمرو موسى وأحمد شفيق وغيرهما من المرشحين مناظرة خالد على الذى كان بالحتم سيطيح بهم جميعاً لكونه مبدعاً حقيقياً.
إلى هنــــــا أنتهى المقال
هأقتتطع الجملة الأخيرة وأكد عليها
ولهذا رفض عمرو موسى وأحمد شفيق وغيرهما من المرشحين مناظرة خالد على الذى كان بالحتم سيطيح بهم جميعاً لكونه مبدعاً حقيقياً.
ودا اللينك الأصلي للمقال على موقع المصري اليوم
تحياتي للجميع