أكتب مقالي هذا بعد مرور أكثر من شهرين على أنتهاء العراكات الأنتخابية التي حسمها
المستشار الجليل فاروق سلطان بأعلانه فوز الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية
والعدالة وتيار الأخوان المسلمين ـ أكبر التيارات الدينية بمصر في الوقت الحالي ـ
كرئيساً للجمهورية ، قد يكون فوزه عن أستحقاق أو شابه شبهة تزوير كما يدعي البعض ،
لكن دعونا نؤكد على حقيقة واحدة في هذا الموضوع ، اننا الآن نـحيا في ظل رئيساً
مدنياً منتخباً بأرادة شعبية .
لن
أتحدث في مقالي هذا عن كيف دارت العمليات الأنتخابية ، سواء مجلس الشعب أو الشورى
أو الرئاسية، وما شاب كلاً منهم من شبهات وأنتهاكات لا تُحصى ولا تُعد ، ولن أتحدث
عن نظريات المؤامرة والتخوين التي يتبناها الكثيرين هذه الفترة ، لكني سأتحدث فقط
عن الشعارات الدينية الجوفاء التي ملأت البرامج والحملات الأنتخابية وملأت حياتنا
كلها بلا أدنى أهمية ، فلا يخفى على أحد ما شهدته مصر الفترة الماضية من تصاعد
لأصوات التيارات الدينية المسيحية والأسلامية على حدٍ سواء ، فرأينا كيف خرجت
علينا واحدة من نائبات حزب الحرية والعدالة بمقولة أن مرسي من عند الله ، وأخر
يخرج علينا بجملة "وقالت الصناديق نعم للدين" ، والبعض يروج لحزب النور
السلفي بمقولة :"لوبتحب أم النور .. أنتخب حزب النور" ، وعلى الجانب
الأخر نجد أن القيادات الكنسية في بعض المناطق وعلى الكثير من المستويات كانت تروج
لبعض الأفراد بعينهم في أنتخابات البرلمان ، وكانت تساند قائمة بعينها ، آلا وهي
قائمة الكتلة المصرية ؛ وفي الأنتخابات الرئاسية بدأت تعلن عن حيادية موقفها علناً
، ولكنها كانت تروج وبشدة لأحد المرشحين حتى أنهم بداءوا يروجوا لبعض المهاترات
والأشاعات السخيفة كتدعيماً له ، مثل أن قداسة البابا شنودة الثالث ـ نيح الله روحه
ـ قد أتصل بهذا الشخص وأكد له الفوز في تلك الأنتخابات من قبل بدء عملية الترشيح
من الأساس ، وبعض القيادات بدء يصور ذلك المرشح على أنه سيكون حامي حمى الكنيسة من
الأسلام ، متناسين أن المسيح لم يؤسس كنيسته على أشخاص ، وهو الأجدر على حمايتهم ،
أما البعض الأخر فبدء يستخدم أسلوباً أخر وهو الترهيب والتهديد ، فكانوا يتحدثوا
من منطلق من لن ينتخب هذا المرشح فهو محارب للكنيسة وليعتبر نفسه "أناثيما"
أي محروماً من الكنيسة ـ يعني بالبلدي بيكفروه .
ودعوني
أسرد لكم حادثة طريفة حدثت مع والدة إحدى صديقاتي بالقاهرة ، فقد كانت في طريقها
للصندوق الأنتخابي واقفةً في الطابور أمام اللجنة ، فمالت عليها واحدة من رفيقات
الطابور وسألتها "ستنتخبين من ؟" فقالت لها وفي ثقةٍ تامة "سأنتخب
حلم الغلابة (فلاح فقير .. ريس من التحرير)" ـ أعتقد أن كلنا مازال يذكُر هذا
الشعار العبقري الذي حلمُنا بتحقيقه ـ وإذ بهذه الرفيقة المجهولة تبدء في سرد
الآيات والمواعظ التي تحتم عليها أن تُطيع الكنيسة وتتبع التعاليم الكنسية وتعطي
صوتها لمن أختارته الكنيسة بدلاً منها ، أقنعتها بأن تبدل أرادتها الحرة التي
أوهبها لها الله بأرادة أخرى قائمة على تبادل المصالح ومبدء السمع والطاعة الذي
تُحارب جماعة الأخوان المسلمين بسببه .
ولأننا شعبٌ وتدين بالفطرة (بمسيحييه مسلميه) غيرت أم صديقتي من رأيها وقررت أن تطيع الآله وتترك حلم الغلابة وتُعطي صوتها لـ(أنا هو الرب شفيق) ، وبهذا عادت إلى ربها ، وتركت هذا الحلم الذي كان سيبعدها عن جنات ربها ونعيمه .
ولأننا شعبٌ وتدين بالفطرة (بمسيحييه مسلميه) غيرت أم صديقتي من رأيها وقررت أن تطيع الآله وتترك حلم الغلابة وتُعطي صوتها لـ(أنا هو الرب شفيق) ، وبهذا عادت إلى ربها ، وتركت هذا الحلم الذي كان سيبعدها عن جنات ربها ونعيمه .
ودعوني
أحكي لكم عن تجربةٍ أخرى معي أنا شخصياً ، كنت في نقاش مع أحد المتطرفين المسيحيين
ببلدتي الحبيبة عن فكرة الأرادة الحرة والأستقلالية وحقي في أختيار من يتوافق مع
آرائي ، بغض النظر عن رأي الكنيسة ، فرد عليا قائلاً :"أنت وأمثالك من
سيضيعون الكنيسة والأيمان بمصر" ،
أكتفي
بهذا القدر وأنهي حواري بأني لست ضد الدين أو التدين ولا أحارب الدين ، لكني ضد
التدين الشكلي ، وعدم فهم الدين بالفهم الصحيح .
وأود
أن أوجه رسالة للمتطرفين مفاداها أن الله لا يطلب منك أن تعطيه صوتك الأنتخابي ،
ولكنه يريد أن تعطيه قلبك بتعبد حقيقي له وبنيةٍ صافية تجاه مخلوقاته .
أسف للأطالة
ديفيد
سقراط
11/9/2012